اضغط هنا لتحديث الصفحة أضف هذه الصفحة للمفضلة لديك اجعل هذا الموقع هو صفحة البداية اطبع هذه الصفحة أغلق هذه الصفحة عد الى الخلف

الثلاثاء، 26 مايو 2015

الوسلاتية وعلاقتها بجبل وسلات

جبل وِسْلاَت جبل يقع بوسط الجمهورية التونسية، شمال غربي مدينة القيروان. يبلغ ارتفاعه 887 م. يمتد جبل وسلات مسافة خمسة عشر كيلومتلرا تبدأ شمال حفوز وتنتهي بعين جلولاء تنحدر منه أودية عديدة بكل الاتجاهات أغلبها باتجاه المشرق والمغرب به قرى عديدة مهدمة كانت مأهولة في القرون الوسطى ب"الوسالتية " وتركوا آثارا كثيرة تخبر عن نمط عيشهم القائم أساسا على الفلاحة والرعي حجارة الجبل رخامية وهي من أجود أنواع الرخام في تونس لم يستغل منها غير مقطع صغير في الشريشيرة بالجبل مقامات عديدة أهمها سيدي على الغربي وسيدي سعد بوحديدة غطاؤه النباتي كثيف من جهة الجنوب وتعرى الجبل أو كاد من جهة الشمال لكثرة ما استنزف عبر العصور . بالجبل غابات زياتين لا تحصى يقتات منها إلى اليوم بعض سكان السهول المجاورة

الوسالتية
هم سكان جبل وسلات Usalitanus الواقع على بعد 40 كلم غربي القيروان و يعتبر PELLEGRIN أن أصل تسمية الجبل و أهله تعود إلى كلمة " ايزلاي " Uzalae و هي كلمة بربرية ترمز إلى الحديد و الصلابة كما ترمز إلى الشجاعة و الفتوة . تميز هذا الجبل بكثافة سكانية هامة في أواخر العصر الوسيط ، إذ كان ملجأ للمزارعين و السكان المحليين في الفترات التاريخية الحرجة خاصة فترة زحف القبائل الهلالية على وسط افريقية و تخريب القيروان و المدن المجاورة لها مثل آجر و جلولاء و مجقة فتفرق سكان هذه المدن المندثرة في سائر البلاد و لجأ عدد هام منهم إلى الجبل و شيدوا تجمعات سكنية محصنة مثل الجوزات و تيفاف و دار اسماعيل و دار الدرب و نحال و القيطنة و غيرها ، فقد مثل جبل وسلات حصنا منبعا لسكانه. و تذكر المصادر أنه رغم قوة الأغالبة و تفوقهم العسكري وجدوا صعوبات في السيطرة على الجبل و جباية الضرائب من سكانه .

ينقسم الوسالتية إلى خمسة مجموعات كبرى أو أخماس أهمها عددا خمس أولاد إسماعيل أو السماعلة ( العرماوي ، القصباوي ، عاشور ، الجبالي ، دعلوش ، الهنشيري ، بودبوس ، السليتي ...) و يأتي بعدهم من حيث الأهمية العددية خمس أولاد جبيل ( الخنيسي ، زيتون ، الذيب ، الجبيلي ، الهيشري ...) ثم خمس تيفاف ( النحالي ، الصلعاني ، بن تمسّك ، بن سليمان ...) و خمس بورحال أو الخمس ( الخمسي ، العيشي ، بن رحال ، بورحال ...) أما خمس أولاد مانس فهم الأقل عددا .

و يعود معظم هذه المجموعات إلى قبيلة مزاتة البربرية المتفرعة عن لواتة و التي حافظت على مذهبها الاباضي إلى حدود القرن 12م .

تميز الوسالتية بارتباطهم الشديد بجبلهم فأغلب ألقابهم اقترنت بأسماء أماكن و قرى الجبل فنجد مثلا :

القصباوي نسبة للقصبة إحدى قرى الجبل _ القصري نسبة لبلد القصر _ الجلولي نسبة لزاوية جلولاء _ العرماوي للعرمة إحدى قرى الجبل _ القُلعي أو القُلعاوي نسبة للقُلعة _ النحّالي نسبة لبلاد النحل _ الكرامتي نسبة لزاوية و دشرة كرامت _ زغدان نسبة لكاف زغدان _ ابن بقور أو البقوري نسبة لواد البقور _ ابن قيطون أو القيطوني نسبة لكاف القيطون و غيرها من الألقاب
فرابطة المكان أقوى من الروابط الدموية لدى الوسالتية و هو ما يفسر وجود تناقضات و اختلافات داخل هذه المجموعة . فنجد مثلا في دفاتر المجبى فصلا بين أولاد مانس و بقية أخماس الوسالتية و ذكرت لنا المصادر كذلك خروج أولاد مانس عن إجماع الصف الوسلاتي و ذلك برفضهم المشاركة في ثورة علي باشا على عمه سنة 1728 بل ساندوا قوات حسبن بن علي و تذكر المصادر أيضا أنهم حاولوا العودة لسكنى الجبل بمفردهم سنة 1762 بعد اتخاذ الباي لقرار إجلاء الوسالتية من الجبل إلا أن محاولتهم باءت بالفشل و عرفوا بدورهم نفس مصير التشتيت ، فاختاروا الاستقرار في مناطق مختلفة و مستقلة عن مناطق استقرار بقية الوسالتية . فكان خمس أولاد مانس مستقلا بوضعية إدارية خاصة عن بقية الشتات .
اعتمد الوسالتية في نشاطهم الاقتصادي على الزراعة الجاهدة التي تعتمد أساسا على استغلال تقنيات الري و تربية النحل و خاصة غراسة الزياتين في سفح الجبل .

سطع نجم الوسالتية مع بداية التواجد العثماني بتونس في النصف الثاني من القرن 16م فقد لعبوا دورا بارزا في الصراع بين القبائل المحلية و السلطة العثمانية التي واجهت مقاومة شديدة من الوسالتية الذين رفضوا دفع الضرائب و تحصنوا بقمم جبلهم. و أشارت كل المصادر إلى مشاركة الوسالتية في أغلب الانتفاضات و الثورات خاصة في القرنين 17 و 18م فكان الجبل المنيع ملاذا و ملجأ لكل ثائر أو خارج عن السلطة المركزية فاحتضن الشيخ أبا القاسم الشوك الذي قاد انتفاضة الوسالتية سنة 1674م و من بعده مراد الثالث ( بوبالة ) سنة 1699م ثم علي باشا سنة 1728م و أخيرا حفيده إسماعيل بن يونس سنة 1759م .
و مثلت حادثة التحاق علي باشا بجبل وسلات و الاحتماء به نقطة تحول هامة في تاريخ الجبل و سكانه. ففي سنة 1728 فر علي باشا مع ابنه يونس و مناصريه إلى جبل وسلات لينظم صفوفه استعدادا للانقضاض على عرش عمه حسين بن علي و لكن بهزيمة الباشا و فراره إلى الجزائر أمر حسين باي بإجلاء الوسالتية من الجبل فكانت أول عملية تهجير تعرض لها الوسالتية و استمرت إلى حدود سنة 1735م تاريخ عودة علي باشا مع عسكر الجزائر و الحنانشة إلى تونس و الجلوس على العرش الحسيني فأمر بعودة الوسالتية إلى موطنهم .

و اقتداء بجده لجأ إسماعيل بن يونس إلى جبل وسلات سنة 1759م و أعلن الثورة ضد علي بن حسين ، فاجتمعت حوله بعض القبائل الباشية مثل أولاد عيار و الوسالتية و ماجر و أولاد سعيد ... و لكن تمكن علي باي من القضاء على هذه الثورة و ذلك بمحاصرة الجبل بواسطة القبائل الحسينية مثل جلاص و أولاد عون و دريد و خاصة الكعوب و القوازين العدو الأساسي للوسالتية ، فقطعوا المؤونة عن سكان الجبل الذين عانوا الكثير من هذا الحصار الذي تواصل ثلاث سنوات . وفي سنة 1762م فرّ إسماعيل بن يونس إلى الجزائر و ترك أهل وسلات لمواجهة مصيرهم بعد أن أدرك الفرق الكبير في موازين القوى خاصة بعد حملة علي باي على أولاد عيار و هزيمة أولاد إسماعل أمام أولاد عون . ولما شاع خبر هروب إسماعيل بن يونس إلى تبسة، استسلم الوسالتية و أعلنوا خضوعهم للسلطة المركزية و طلبوا الأمان فأمنهم الباي على أرواحهم شرط أن يخلوا الجبل و أن يتفرقوا في البلاد . فكانت ثاني عملية تهجير و تشتيت يتعرض لها الوسالتية في العصر الحديث .

و قدرت فالنسي عدد الوسالتية بعد قرن من التشتيت أي في منتصف القرن 19 بحوالي 12500 نسمة منتشرين شمال جبل وسلات في جهات تكثر بها الأنشطة الفلاحية و تعرف التشجير .

تفرق الوسالتية على 80 تجمعا سكنيا من مداشر و قرى و مدن موزعة على مناطق مختلفة من البلاد من أهمها مدينة القيروان ومدن الساحل و مدينة تونس و تستور و بنزرت و الكاف و الوطن القبلي و جهة باجة. و مثلت منطقة زغوان إحدى أهم مراكز تجمع الوسالتية التي تعود أصولهم إلى خمس أولاد إسماعيل و خمس تيفاف نظرا لتشابهها في الكثير من الخصائص مع موطنهم أصلي من حيث أنها جبلية الموقع، كما أنها مثلت منطقة استقرار لعدة مجموعات وافدة مثل الأندلسيين و الطرابلسية .
ورغم أنهم هاجروا إلى مختلف المدن و القرى التونسية في ظروف صعبة و مطاردين من قبل الدولة ، فقد حققوا نجاحات باهرة في الميدان الاقتصادي بعد قرن من استقرارهم بمواطنهم الجديدة، و يعود ذلك إلى خبرتهم في المجال الفلاحي و استغلال مياه الري وهو ما ساعدهم على الاندماج بسهولة مع السكان المحليين ، لكنهم ظلوا محل شبهة و اتهام في نظر الأهالي و السلطة أينما حلوا خاصة أثناء الفترات المتأزمة .
"



ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 الوسلاتية بين الواقع والأفاق
تصميم : محمد كريفة